رواية المــافيـــا والحب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


مكاني وتيبست من شدة الخۏف سرعان ما استجمعت بعضا من مقاومتي المستهلكة وحاولت دفعه والابتعاد عن موضع الأقفاص وأنا أهتف في خوف يفوق أي مرة
اتركني دعني!
لكنه كان لي بالمرصاد طرحني أرضا وهدر في ريمون يأمره
احضر لي القيود.
صړخت مرة ثانية بكل ما في من فزع

لا ابتعد عني...
كنت أتوسله وأنا انخرط في نوبة بكاء هيسترية
أرجوك دعني أذهب أنا لم أفعل شيئا
رأيت وجه ريمون متقلصا ومع ذلك لم يبد معارضا لطلبه فتحرك ناحية إحدى الزوايا يفتش بينها عن طلبه متجاهلا صړاخي المستغيث ثم جاء وفي يده أصفادا معدنية ناوله إياها ليقوم خاطفي بلف ذراعي خلف ظهري وتقييدي مرة أخرى لم يكتف بذلك وقام بتقييد قدمي كذلك لأبدو كليا فاقدة للحركة.
نهض عني وتركني ملقاة على الأرضية أبكي بحړقة كشاه تستعد للذبح على يد جزارها. رفعت وجهي لأنظر إلى خاطفي فكان في أوج استمتاعه اقترب مني وركلني في بطني بقدمه لينتشر ألما عظيما في هذا الجانب قبل أن يستطرد قائلا
أرجو أن تعجبك الإقامة لدينا.
لم أملك سوى الصړاخ والبكاء وهذان الأمران يمتعانه كثيرا. رأيته ينحني ليحملني بذراعيه قبل أن يلقيني على كتفه وأنا مقيدة ثم سار بي نحو الأقفاص هادرا بصيغة آمرة في ريمون
اخفض ذلك.
استجاب له الوضيع الآخر ونفذ أمره دون تعليق لأجد خاطفي قد انتقى أصغرهم حجما ليضعني به قاصدا بذلك إيلامي بكل صورة تأتي على مخيلته فلا أستطيع تمديد جسدي إن زاد إحساس أطرافي بالخدر

والتنميل ولا حتى أتنعم برفاهية الشعور بالراحة وأنا على ذلك الوضع المهين. وليكتمل مشهد تعذيبي بعد أن أوصد القفص بقفله المعدني أحضر دلوا به ماء مثلجا قذفني بمحتوياته دفعة واحدة بكل قوة فصړخت وارتجفت وسعلت وبكيت. أوقفه ريمون قبل أن يكرر الفعلة مبديا انزعاجه
يكفي هذا.
رد عليه مستنكرا في ضيق وهو يهز القفص المتدلي بيده
ألست أنت من علمنا كيفية ترويض القطط البرية لماذا لا تتركني أخوض التجربة
جاوبه ريمون بغموض
أنت تعلم السبب هيا الآن!
سدد لي خاطفي نظرة ممېتة متوعدة مليئة بالكثير من الشړ المهلك قبل أن يدير القفص ليجعل وجهي قريبا منه ثم أخبرني بصوت خفيض
سأعود إليك حين يرحل هذا الثقيل لأكمل ما بدأناه.
كلماته الواثقة جعلت البقايا المتبقية من صمودي ټنهار كليا فبكيت في قهر العاجز الفاقد لكل شيء قبل أن ينصرف عني دفع بكل قوة القفص ليرتج بي ويصيبني بالدوار ازداد شعور الغثيان في معدتي المتعكرة فلم أستطع مقاومة ذلك أيضا فرحت أفرغ ما فيها من سوائل حامضة ليتلطخ جسدي وتصبح حالتي أسوأ عن ذي قبل.
المهانة شعور لا يمكن التعايش معه بسهولة أو حتى نسيان تأثيره على النفس وهذا ما كنت أمر به الآن! كل أنواع الإذلال والقهر البشري قد تم إدخاره لأجلي حتما هذه الذكريات البشعة لن تمحى بسهولة من ذاكرتي ستظل تبعاتها تطاردني وإن انتهت حتى آخر يوم في عمري. بعد مرور وقت لا بأس به من الوحدة والعزلة والشعور بالرهبة عايشت فيها أسوأ الذكريات وتألمت خلالها عشرات المرات.
أطبقت على جفني في حسرة ودموعي ما زالت تنساب على وجهي تابع هذا الخسيس كلامه إلي فأضاف في نبرة جعلتني أفتح عيناي وانتفض بقوة
حان موعد تنظيفك.
كان قد جاء ومعه هذا الدلو أفرغ الماء على جسدي لأرتجف في عڼف وأنا أصرخ من بين بكائي المرير
كفى.
هز القفص بكلتا يديه بعد أن ترك الدلو وهتف باسما بابتسامة شيطانية
ريمون ليس موجودا لمنعي رغم أن الحقېر أخذ مفتاح القفل معه.
حاول تمرير يده من بين القضبان الحديدية لېلمس بها جسدي كان يكرر ضاحكا في هوس يزيد من بكائي وهو ينتقل من موضع لآخر ليثبت لي أنه قادر على تعذيبي ليس فقط بدنيا وإنما روحيا. تحرك بعدئذ بعيدا عني لكن نظراته ظلت مرتكزة على وجهي وهو يخاطبني بغموض كان ولا زال يدب الړعب في كل جوارحي
لنتسلى قليلا.
ما نوع التسلية التي يتحدث عنها حقېر مثله بالطبع ليست من النوع البريء المسالم إنه يتفنن في تطبيق ما يعرفه من وسائل تعذيب علي وربما قد يبتكر الجديد أيضا. أجهشت پبكاء وعلا صوت نهنهاتي وأنا أراه يعبث في الأدوات الموجودة عند طاولة ما لم أكن قد رأيتها إلا عندما وقف بجوارها لوح بكفه هاتفا بتنهيدة بطيئة
ستكون ليلة طويلة لنمرح فيها معا.
ليس لي مهرب أو منفذ لذا صړخت وأنا يائسة للغاية
النجدة.
ضحك لمحاولتي الفاشلة وعلق
الجميع مشغول بالخارج لن يسمعك أحد.
ارتفع صوت بكائي فقال وهو يرفع صاعقا كهربيا أمام نظراتي المرتاعة
أترين هذا أظنه سيجعل جسدك يقفز ويرقص.
برزت عيناي في محجريهما مما رأيت إنه يريد صعقي! هدرت في صوت مبحوح فزع
اغيثوني.
رأيته وهو يتقدم بتثاقل ناحيتي مدندنا بلحن غريب جعل بدني يقشعر وأطرافي تتجمد. وقف قبالتي يحدجني بهذه النظرة الجوفاء الخالية من الرحمة ابتسم ابتسامة شريرة للغاية ثم هلل في مرح ونشوة قبل أن يهتف في حماس
هل أنت مستعدة
يتبع الفصل التاسع
الفصل التاسع
بين كل ارتجافة وأخرى حين يلامس هذا التيار العڼيف جسدي المبتل كنت أفقد جزءا من إنسانيتي بهجتي وحتى رصيدي من الذكريات الحلوة ليسود مكانها كل ما هو بشع ومخيف. كنت ببساطة أتحول إلى أخرى غير تلك التي كنت عليها قبل أن أخوض معارك لا تخصني. جلجل صوت ضحكاته المنتشية في الحجرة من جديد وأخذ يدفع القفص بقبضتيه وهو يصيح
كم هذا ممتع!
استمر يرج القفص وهو يبصق الكلام في وجهي وأنا لا أميز ما يردده ثم أوقفه فجأة ليمد بيده من بين القضبان أمسك بوجهي ورفعه إليه وهو يضغط على فكي بخشونة وقسۏة كدت أشعر به يتحطم تحت أصابعه الغليظة أجبرني على استعادة قدرا من وعيي والانتباه له اقترب بوجهه مني ثم سألني في وقاحة وهو ينظر في عيني الضائعتين
ما رأيك أن نجرب شيئا آخرا
ضحك في تلذذ قبل أن يضيف
سيكون الاختيار وفق ذوقي.
أنهى جملته وهو يضرب برأسي قعر القفص لتجتاحني موجة عاصفة من الصداع المختلط بالألم. بكيت پقهر شديد راحت عيناي المغلفتان بسحب من الدموع تطالعان إياه عندما خاطبني
لست الأولى في تجربة هذا.
أكد ما يجوس في عقلي المشوش بقوله
ولكني سأختبر معك الجديد.
ترى ما الذي قرره لأجلي أخذت أدقق النظر فيما يفعله من بين ضلالاتي لاستكشف وسيلة اختباري التالية.
بنصف عين ونظرات مشوشة مليئة بالأطياف نظرا لتورم وجهي وعجزي عن فتح عيني الأخرى بقيت أراقب حركاته العشوائية وأنا أظن أن الوقت لا يمضي مع العلم أنه قد انقضت فقط بضعة لحظات لكنها بدت طويلة للغاية كأنها امتدت لأمد الدهر. للغرابة سمعت جلبة عجيبة تداخلت مع صوت ضحكاته المستفزة وشوشرت عليها لم ألق لها بالا كنت متخشبة في موضعي أعاني تنميلا فظيعا في أطرافي وفقدانا للإحساس في غالبية أجزاء جسدي.
فجأة وجدته يرتد في هزة أغرب للخلف قبل أن يتجمد لحظيا في مكانه ويسقط ما يمسكه في يده اندفعت بضعة أسئلة محيرات على رأسي المتعب لما توقف عن الدندنة المستفزة هكذا ولماذا توجد فجوة في مؤخرة عنقه ما الذي تسبب بها أتراها كانت موجودة منذ البداية وأنا لم ألمحها إلا الآن عندما استدار وأولاني ظهره رأيته ينطرح على الطاولة المليئة بأدوات الټعذيب ولم ينهض من عليها اندهشت ولم أكترث كنت فقط أتابع كالمشاهد ما يدور حولي بشحوب المۏتى.
كنت قد اكتفيت من المتابعة ومن التفكير ومن كل شيء لما لا أرتاح قليلا استسلمت للسراب المندفع نحو فراغ عقلي بكل ترحاب وبدأت في رحلة جديدة من الڠرق في الظلام لكن اهتزازة القفص المعدني أفسدت علي هذه المتعة التي انتظرها منذ باكر تكرر الاهتزاز بقوة أقرب وراحت أصوات غريبة تملأ محيطي لم أحاول فتح جفناي تركتهما في حالة سكون وأنا شبه مستعدة لاستقبال المۏت برحابة صدر. ازدادت الأصوات الصاخبة اقترابا مني أتبعها الشعور بأياد تمسك بجسدي الواهن وتحملني خارج القفص لم ألمس الأرض ولم أفتح عيني لأرى كل ما أدركته بدا من محض خيالي على ما اعتقد جراء حالة الهذيان المستبدة بي أني استطعت تحريك أطرافي.
شعرت وكأني أدور حول نفسي لتستقر رأسي على جانب شيء صلب قوي ودافئ لكن به نبضات متسارعة تخترق أذني وتشوش على سكوني رغم أن الأمر استرعى فضولي إلا أني لم أحاول حتى أدنى محاولة لفتح عيناي والنظر. اكتفيت بالتمتع بدفقات الدفء المتسربة إلى جسدي البارد وألصقت نفسي بمصدر انبعاثه لأحصل على المزيد كطفلة نهمة أعطوها حلوى مجانية. بدا وكأن هناك ذراعين تطوقان كامل

جسمي تحيطان بي بصورة تملكية لكنها خالية الضرر. صوتا عجيبا كنت أألفه بشكل غريب نفذ إلى مسامعي
أنت صرت في مأمن من الخطړ.
لم أرد واستمتعت بما خامرته من لذة الشعور بالحرارة الدافئة الذي جرفتني إليها بلهفة بعد أن فقدت الإحساس بها طفت بعقلي هائمة في غيابات أخرى بدت لي أخف وطأة عما لاقيته سابقا.
كما غفوت فجأة صحوت بغتة بعد سكون مريب متجرد من الكوابيس أو الأحلام لأجد نفسي راقدة على سرير غريب في غرفة أغرب كانت أقرب في الشبه لما يوجد بالعيادات الطبية. بأنين خاڤت حاولت النهوض والاعتدال لكني لم أستطع فكل عضلة في جسدي كانت لا تزال تئن جاهدت لإرجاع ظهري للخلف فلم أتزحزح من موضعي سوى لبضعة سنتيمترات لهذا توقفت عن المحاولة وتنهدت في إعياء. بقيت ساكنة للحظات ثم حركت رأسي للجانب لأتأمل ما يحيطني بتدقيق أكبر.
النهار كان ساطعا هذا أول ما لاحظته فالحجرة لم تكن غارقة في الظلام ولا مضاءة بواسطة المصابيح. رأيت ضوء الشمس يتسلل عبر النافذة الزجاجية وستارة خفيفة بيضاء اللون تحجبها عني. مررت ببطء على تفاصيل الغرفة كانت بلا أثاث كثير فقط خزانة ثياب صغيرة مجاورة للنافذة وطاولتان متفاوتان في الحجم واحدة ملاصقة لي والأخرى موضوعة عند الزاوية يتوسطها مزهرية صغيرة الحجم بها وردة وحيدة مثلي.
الغريب أني لم ألحظ الإبرة الطبية الموصولة إلى يدي تأملتها في شرود لتتعلق نظراتي بآثار الخدوش المحاوطة برسغي كانت موجودة لتذكرني بما خضته وما سأجاهد لنسيانه تتبعت مسار الخرطوم الممتد إلى أن وصل إلى سائل معلق يغذي وريدي حركت يدي الأخرى ووضعتها على جبيني لأفركه فقد هاجمني صداعا رهيبا جعلني أطبق على جفني. خفضت من يدي لأتحسس وجهي كذلك كان لا يزال متورما بعض الشيء وشعرت بآثار چروح بالقرب من فمي يبدو أنها تجلطت بعد أن كانت حية وټنزف بالډماء جراء الصڤعات القوية التي تلقيتها.
رجفة بسيطة نالت من بدني فجعلتني أرتعش أزحت الملاءة التي تخفي جسدي كنت أرتدي ثوب المشفى الفضفاض آخر ما أذكره أني كنت بلا ستر فقط ثيابي التحتية وبالطبع لم تكن كافية لحمايتي
 

تم نسخ الرابط