رواية عزلاء أمام سطوة ماله (كاملة حتى الفصل الاخير) بقلم مريم غريب
المحتويات
تصدر أصواتا تختلط بضحكاتها
ضحك فادي معها ثم حملها و أخذ يلاعبها و يلاطفها
كانت ملك تحمل ملامح مشتركة بين كلا من والدتها و أختها سمر فمثلا ورثت لون بشرتها الناصعة و لون شعرها البندقي عن والدتها
أما خضرة عينيها الواسعتين فأخذتهما عن شقيقتها الكبيرة التي تمتاز هي الأخري بنوع خاص من الجمال يتمثل في شعرها الطويل الفاحم و بشرتها التي هي بلون الشوكولاتة الفاتحة و قوامها المتناسق الذي يحسدونها عليه جارتها و صديقاتها كلما يزورنها في بيتها
لفتت نظره سمر و هي تفتح باب الشقة بمفتاحها و تدخل فأغلق التلفاز و حمل ملك علي ذراعه و ذهب ناحيتها
فادي بتلهف
ها يا سمر ! عملتي إيه
رفعت سمر وجهها و هي تجيبه بتعب واضح
قدامي محتاجة أريح شوية و بليل هبقي أقولك علي كل حاجة
عبس بقلق و سألها بلهجة هادئة
مالك يا سمر إنتي كويسة
أومأت رأسها إيجابا ثم قالت
خلي بالك بس من ملك علي ما أصحي و لو جاعت أنت بتعرف تأكلها ممكن تصحيني بس علي ميعاد الدوا بتعها أنا أبقي أقوم أديهولها
و أخيرا إختلت بنفسها أغلقت باب الغرفة و للحال نزعت حجابها و هي تتنفس بعمق ثم تحرر شعرها من مشبك الرأس لينسدل بنعومة و إنسيابيه علي طول ظهرها
ألقت بنفسها فوق السرير و حدقت بالسقف لتعود لها ذكري نصف اللقاء الفائت
وجدته واقفا أمامها عندما فتحت عيناها كان يخاطب رجلا قصير القامة في منتصف عمره بدا شيء لا يذكر بجانبه
أنا فين إيه إللي حصلي
طمئنها عثمان بإبتسامة
إطمني يا أنسة إنتي بخير ماتقلقيش جت سليمة أغم عليكي بس و دكتور حسين فوقك
الدكتور حسين بلطف و لباقة
حمدلله علي سلامتك يا أنسة عايزك ماتقلقيش إنتي كويسة خالص بس ناقصة تغذية إنتي ضعيفة أوي و محتاجة تاخدي بالك من أكلك و شربك أكتر عشان ماتحصلكيش إغماءة تانية
بينما إنصرف الطبيب حسين بعد أن جمع آدواته داخل حقيبته و بدوره أصرف عثمان سكرتيرته لتباشر عملها في الخارج
سمر و هي تحاول القيام
أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي علي إللي عملته معايا !
عثمان بجدية
لازم أمشي إتأخرت علي إخواتي
طب بس أصبري أنا عايزك في موضوع
سمر بإستغراب
موضوع ! موضوع إيه يافندم
سحب عثمان مقعد قريب و جلس فوقه مادا جسده نحوها ثم قال بهدوء
أنا حاسس إنك واقعة في مشكلة ممكن تقوليلي لو تحبي أنا أقدر أساعدك
سمر بشك
تساعدني إزاي يعني !
هز كتفيه مجيبا
أساعدك يعني أساعدك قوليلي بس إيه مشكلتك
سمر بصمت و قد إنعقد لسانها لا تعرف بما تجيبه !
فلوس قالها بتساؤل و تابع
إنتي خريجة أيه يا أنسة
سمر مجيبة بلسان ثقيل
تسويق و تجارة إلكترونية
عثمان بإعجاب
حلو حلو أوي ثم أردف بحماسة زائفة
شوفي أنا هفتتح شركة جديدة خاصة بيا كمان كام يوم إخترت الموظفين خلاص بس لسا ماخترتش سكرتيرة تحبي تتقدمي للوظيفة دي
حملقت فيه بعدم تصديق و سألته ببلاهة
بجد !!
عثمان بضحك
أه طبعا بجد ثم سألها مبتسما
إنتي عندك كام سنة قصدي يعني بقالك كام سنة متخرجة
سمر بتوتر طفيف
أنا عندي 24 سنة و بقالي سنتين و نص متخرجة
هممم لأ مدة مش بعيدة طب قولتي إيه ! موافقة تشتغلي عندي
سمر بدون تردد
طبعا موافقة لكنها تراجعت
بس أنا ماعرفش حاجة عن شغلة السكرتاريا
عثمان بثقة
ماتقلقيش هتتعلمي دي شغلانة بسيطة خالص
أشرق وجهها بإبتسامة رقيقة بينما مد يده إلي جيب بنطاله و أخرج جزدانه
سحب بعض الأوراق النقدية ثم مد يده لها قائلا
إتفضلي يا أنسة سمر
نظرت ليده الممدودة بالنقود ثم له و سألته متجهمة
إيه ده حضرتك
أجابها بإبتسامة
أنا عارف إنك محتاجة فلوس من فضلك خديهم
سمر برفض مهذب
شكرا لحضرتك أنا معايا الحمدلله
عثمان بإصرار و لطف
خديهم بس يا أنسة سمر أعتبريهم سلفة و إبقي رديهم من أول مرتب
تخضبت وجنتاها بحمرة قانية و كم وجدت صعوبة في ذلك لكنها مدت يدها و أخذت منه النقود
سمر و هي تقف علي قدميها و تختبر درجة ثباتها
إستأذن أنا بقي
نهض هو الأخر و قال لها
تمام و إنتي خارجة إبقي سيبي إسمك و عنوانك و رقم تليفونك لشيري و ماتنسيش بعد بكره هخلي شيري تتصل بيكي و تديكي كل المعلومات عن الشركة
أومأت سمر دون أن تنظر في عينيه ثم غادرت مكتبه في هدوء
خرجت سمر من الذكري و هي تشعر بضيق شديد فمنذ خروجها من هذه الشركة لم تكف عن توبيخ نفسها لأنها أخذت منه النقود
و مرات عدة و هي في طريقها إلي البيت فكرت أن تعود و ترجع إليه ماله لكنها تذكرت ملك و فادي فإستسلمت لحكم الواقع و أكملت طريقها بفم مطبق
أرهقها التفكير لهذا الحد فأوقفت كل شيء و إستسلمت للنوم الذي بدأ يداعب أجفانها
في ليل الإسكندرية الساحر يقود صالح البحيري سيارته الفارهة مارا بالكورنيش المطل علي الساحل و المضاء بالأعمدة التي تعكس نورها علي ماء البحر الحالك فيبدو و كأنه اللؤلؤ الأسود في ندرته
يصل صالح إلي ذلك الملهي الشهير و يدخل باحثا بعينيه عن إبن عمه
ليجده هناك جالسا عند بنش البار تحاوطه المنكرات من كل صوب و هو يتجاوب معها بفتوره المعتاد
إيه يابني فينك قال صالح و هو يجلس بجانبه أمام البار و أكمل
لازم أتحايل عليك يعني عشان ترضي تقولي إنت فين أبوك قالب عليك الدنيا
عثمان بضيق
عارف
طب مارجعتش البيت ليه لحد دلوقتي
مش مستعد لإستجواب يحيى بيه و مش ناقص قرف
صالح بصراحة
إنت طينت الدنيا الصراحة أنا أعرف أنك شيطان يابن عمي بس ماتخيلتش تفكيرك يوصل لكده أبدا !
عثمان ضاحكا و هو يتناول بعض المقبلات
يمكن عشان مابتعرفش تفكر يا صالح
لأ بجد أنت إبليس ذات نفسه يصقفلك علي عملتك دي
عثمان بتفاخر
يابني أنا مش أي حد أنا عثمان البحيري يعني الفهلوة و الجبروت كله و متنساش إني إسكندراني كمان
لأ من ناحية الجبروت فأنا متأكد من دي أكتر ثم سأله بإستذكار
صحيح عملت إيه في حوار شركتك خلاص كلها بقت بتاعتك
شرب عثمان ما تبقي من كأسه و أجابه و قد بدأت الثمالة تنطقه بما لا يريد نطقه
إسكت ماتفكرنيش بالشغل خالص إنهاردة وقعت مع حتة بت كانت هتخرجني عن شعوري تصور إستهزأت بيا أنا !
صالح بضحكة مرحة
يا خبر ! دي كده لعبت في عداد عمرها
عثمان بوعيد
إنت بتقول فيها و حياة أمي لأسود عيشتها !!!!!
يتبع
_ حاډث مدبر ! _
صباح يوم جديد
إستيقظت سمر من نومها عندما شعرت بشعاع حار يضرب في وجهها و يلسع جلدها الرقيق لسعات متواصلة بلا توقف فتحت عيناها بتثاقل و إنزعاج لتكتشف إنها الشمس تسللت خيوطها الذهبية عبر شباك غرفتها الموارب لتوقظها و عندما لم تستجيب لسعتها بآشعتها الحاړقة لتعاقبها
تثاءبت سمر بكسل و هي تتحرك في الفراش بعيدا عن آشعة الشمس و عقدت حاجبيها فجأة بإستغراب لقد نبهت فادي البارحة أن يأتي و يوقظها في المساء لكي تعطي ملك بنفسها جرعة دوائها لماذا لم يفعل لماذا تركها نائمة كل هذا الوقت لا يمكن أن يكون قد نسي !!
قامت سمر من فراشها و إتجهت للخارج بخطوات غير متزنة نسبيا
وجدت فادي بالصالة يقف هناك حاملا ملك التي كانت تبكي و تصرخ بشدة
و يحاول أن يجعلها تهدأ
في إيه يا فادي قالتها سمر بتساؤل و هي تمد ذراعيها لتأخذ منه ملك
أجاب فادي حائرا و هو يناولها الطفلة
مش عارف مالها أنا صحيت من شوية علي عياطها قلت جعانة فأكلتها دلوقتي بقي لاقيتها عيطت تاني شكلها لسا جعانة ثم أكمل پغضب
بس أكلها خلص
سمر بإستغراب
إنت مش بتقول أكلتها يعني شبعت !
فادي بضيق
لأ علبة اللبن بتاعتها ماكنش فيها كتير
زمت شفتيها بتفهم ثم قالت
طب إستني
و ذهبت بالصغيرة نحو غرفتها لتعود بعد لحظات و هي تمد يدها له ببعض النقود قائلة
خد إنزل هاتلها علبتين لبن و شوف لو الدوا بتاعها ناقص هاتلها غيره و كمان لو مافيش بامبرز هات
نظر فادي إلي النقود ثم لأخته و هو يقول بدهشة
جبتي الفلوس دي منين يا سمر و أردف بإبتسامة واسعة
معقول صرفولك فلوس بابا إمبارح
سمر بفتور
لأ طبعا
فادي بتعجب
أومال إيه دول كلهم جبتيهم منين !
سمر بكدر
ما أنا قلتلك إمبارح إبقي صحيني بليل عشان أحكيلك علي إللي حصل إنت إللي سيبتني لحد دلوقتي
علي فكرة جيت أصحيكي مرتين إمبارح مرة عشان تدي ملك الدوا زي ما قولتيلي و مرة عشان نتعشي سوا بس إنتي إللي مارضتيش تقومي قلت جايز تعبانة فسبيتك تنامي براحتك و خدت ملك تنام معايا ثم سألها بإهتمام
قوليلي بقي إيه إللي حصل
تنفست سمر بعمق ثم حكت له ما حدث بإيجاز شديد
إيه ده إزاي يعني قال فادي بعدم فهم و تابع
يعني المدير و لا صاحب الشركة إللي قابلتيه ده قالك مالكوش عندنا حاجة و بعدين قالك هشغلك عندي سكرتيرة !!
سمر شارحة له
لأ يابني ما قالش مالكوش عندنا حاجة قال إن بابا كان عامل مش موظف و عامل بالآجرة كمان أه كان بيعمل صيانة علي المصاعد كل شهر و كان بياخد مرتب بس إسمه مش في سجلات التوظيف يعني مالوش أولويات الموظفيين الفعليين إللي بيشتغلوا هناك فهمت
عبس فادي قائلا
فهمت و إنتي ناوية تقبلي الشغلانة دي يعني
سمر بتأكيد
أيوه طبعا إحنا محتاجين فلوس عشان نعرف نعيش أنا و إنت و ملك و الراجل كتر خيره حب يساعدني بطريقة كويسة جدا هشتغل و أجيب فلوس بجهدي إيه إللي يخليني أرفض مساعدته بقي ثم صاحت بإستذكار
و أه كنت هنسي أقولك إحنا مش هنسيب البيت أنا إمبارح عديت علي الست زينب مرات عم صابر و أشتكتلها منه و هي قالتلي هتتصرف معاه و مش هتخليه يجي يضايقنا تاني
صمت فادي قليلا ثم قال بعدم إرتياح
أنا مش مطمن يا سمر مش عارف في حاجة مش مريحاني في حكاية شغلك دي !
سمر بإبتسامة مطمئنة و هي تربت علي كتفه
ماتقلقش يا فادي و اطمن كل حاجة هتبقي كويسة بإذن الله
في قصر آل بحيري داخل حجرة الطعام الفاخرة
يجلس يحيى البحيري علي رأس المائدة تجاوره فريال من جهة اليمين أما في الجهة الأخري جلس جنبا إلي جنب كلا من صالح و صفية
تناولوا فطورهم جميعا من دون شهية و
متابعة القراءة