رواية المــافيـــا والحب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


كنت أقرب للأموات بهيئتي المزرية عن الأحياء حتى أني رحت استسلم لنوم بلا انقطاع وكأني أحاول استدعاء المۏت بأي صورة له لكنه أبى أن يلبي دعوتي وتركني في لوعتي. جاءت إلي الخادمة كعادتها الروتينية السخيفة في مطلع كل نهار اقتربت من السرير ونادتني في أدب
سيدتي.
لم أرفع رأسي الثقيل عن الوسادة وقلت لها بحدة

اذهبي من هنا لا أريد أحدا.
ألحت علي بإصرار
أرجوك تناولي هذا الدواء لقد وصفه الطبيب لك.
جعلي تحت وطأة الدواء وما على شاكلته خاصة في الأوقات العصيبة استحث غيظي وڠضبي وأشعلهما بشدة لهذا انتفضت دفعة واحدة من رقدتي لانقض عليها وكأني كنت أريد من أفرغ فيه ما هو مكبوت بداخلي فزعت المسكينة من هجومي المباغت وارتجفت تحت قبضتي طرحتها أرضا بقسۏة فتأوهت من الألم وسقطت أقراص الدواء من يدها وتناثرت بعشوائية. اشتطت ڠضبا لمعاملتي كمريضة مجذوبة وصړخت بها مھددة
اغربي عن وجهي لا تقربي هذه الغرفة أبدا!
حملقت في بعينين متسعتين في ړعب فواصلت بټهديد أكبر ويدي قد التقطت إحدى زجاجات الخمر الفارغة لألوح بها بالقرب من رأسها
وإن جئت بأي دواء إلى هنا سأقتلع عينيك بعد أن أفجر رأسك سمعت
هزت رأسها بالإيجاب في ذعر حدجتها بنظرة ممېتة ثم نهضت عنها وألقيت بالزجاجة من يدي لتزحف بعدها الخادمة هاربة من الغرفة صفقت الباب خلفها بقوة وصياحي يردد في الأركان
يا ليتكم تحترقون في الچحيم يا ليتكم!
................................................
على ما يبدو قامت الخادمة بالشكاية علي لرئيسها أو لنقل أنها أعطته تقريرا مفصلا بما آلت إليه أحوالي في هذه الفترة المنصرمة وخاصة تصرفي الأخير فسابقا كنت اكتفي بالصمت أو التجاهل لكن اليوم موقفي كان معاديا لهذا توقعت أن يعرج علي ليلا حين يفرغ من عمله لهذا قمت بإغلاق قفل الباب بالمفتاح لن أجعل الأمر ميسرا حين يأتي لزيارتي لا أعرف كم كانت الساعة ليلا عندما جاء لكن عقلي تأرجح بين اليقظة والهذيان جراء الخمر الذي أسرفت في تناوله سمعت صوت الدقات المتلاحقة على باب الغرفة بعدها سمعت دفعة عڼيفة جعلت الصوت أقوى ليتبع ذلك سماعي لوقع أقدام ثابتة على الأرضية الخشبية.
أزعجني الضوء حين سطع فجأة مبددا ظلام الغرفة لهذا أغمضت عيني بقوة تجنبا لتأثيره المؤلم. اقترب فيجو من سريري وأنا ممددة عليه بمنامتي الحريرية رمقني بنظرة مستاءة غير راضية ثم أردف يسألني
هل ستبقين على هذه الحالة كثيرا
التقطت الوسادة المجاورة لي ووضعتها على وجهي قائلة في برود
لا شأن لك إنها حياتي وأفعل بها ما أريد.
سحب الوسادة وألقاها أرضا قبل أن يقول في صوت أجوف جاد
حياتك لا تخصك هي ملكي.
تقلبت على جانبي وأخبرته في سخافة
حسنا وأنا أفسد أملاكك.
فجأة اختفى الفراش من أسفلي وأصبحت معلقة في الهواء لأدرك بعد ذلك أنه حملني بين ذراعيه عنوة نظرت إليه مشدوهة فوجدته يقول في لهجته المتحكمة
ستأتين معي.
كورت قبضتي وضړبته في صدره صاړخة باحتجاج وقدماي تركلان الهواء
اتركني.
وجدتني أتأرجح فجأة بين ذراعيه لأحلق لحظيا في الهواء قبل أن يلقي بي على كتفه شهقت من الصدمة وهو يخبرني بنبرته الحاسمة
لن تبقي هنا بعد الآن.
حاولت التعلق بإطار الباب لإيقافه لكني لم أستطع أمام قوته المعاندة سحبني للخارج في سهولة وسار بي في الرواق ليعود بي إلى حيث من المفترض أن أتواجد. ظللت أصرخ به في تذمر محتج
ابتعد عني دعني لشأني.
تجاهل صياحي ولم يهتم
إن سمع أحدهم صوتي

وأكمل مسيره إلى غرفة نومه في الجانب الآخر من القصر.
..............................................
لم يكلف فيجو نفسه عناء إغلاق الباب بعد أن ولج بي لغرفة النوم لم يكن ليجرؤ أحدهم على القدوم إلى هنا دون استدعاء مباشر منه وكأنها منطقة محظورة الاقتراب. استمر يحملني حتى دخل إلى الحمام وهناك أنزلني على قدمي بداخل المغطس دون أن يفلتني ألصق ظهري بالحائط فحاولت التقدم ودفعه لكنه ثبتني دون عناء صړخت شاهقة عندما غمرت رأسي كتلة مندفعة من الماء المتدفق 
ما الذي تفعله!
حاولت بشتى الطرق المناص من حصاره ومع هذا باءت محاولاتي بالفشل الذريع اجتاحني الماء من كل جانب وأصبحت مبتلة بالكامل تذمرت في صوت مرتجف
توقف إنه بارد للغاية.
رد علي في غير مبالاة وقد تناثر الماء عليه أيضا
ربما يجعلك أفضل.
لكزته في كتفه بعصبية وأنا أقول
اللعڼة عليك.
جذبني نحو الماء المتدفق ثم رفع وجهي فغمرتني المياه كليا سمعته يحذرني بهدوء
توقفي عن السباب.
سعلت من دفقات الماء التي اقټحمت جوفي وحركت رأسي للجانب رغم قبضته لأتفادى منبع هبوطها المتتابع ثم سألته بصوت مرتجف ومتحشرج
وإلا ماذا 
نظرت إليه من طرف عيني وتحديته في نزق
هيا اقټلني ربما غرقا هنا فأنا انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر.
لم ينبس بكلمة فأضفت في تهكم مغيظ
على الأقل سألحق بأحبائي في النعيم السماوي وأنت لن تكون معنا.
توقعت أن يقوم بالرد لكنه صمت وأغاظني سكوته شهقة مرة ثانية عندما وجدت ينحنى جاذبا سائل الاستحمام وأغرق جسدي به تفاجأت مما يفعل وصحت في استهجان حرج
ماذا تفعل أنا لا أحتاج لذلك.
استمر على نفس المنوال حتى أصبحت كل أطرافي مليئة بفقاعات الصابون لن أنكر أني انتعشت نجح فيجو بطريقة ما إلى إعادة النبض الحي إلى مكامني الفارغة حينئذ نظر إلي نظرة مختلفة وقال في غموض
أنا متأكد أنك أفقت الآن.
كنت ألهث من فرط النشاط وقبل أن يثبط تحول إلى دبيب متلاحق في قلبي عندما قال وهو يمسك بالمنشفة ليجفف يديه
شقيقتك آن تريد التحدث إليك.
........................................................
غريب جدا من بين هذه الهموم والأثقال التي تحاوطك أن يستطيع أحدهم إيجاد السبيل لانتشالك من وسطها بلا عناء! اندفعت خارج المغطس وأنا أقطر ماء لألحق ب فيجو بعد أن ألقى بقنبلته في وجهي. سحبت المنشفة من موضعها على الرف لففتها دون إحكام حول جسدي لأتبعه متسائلة في وجيب متواتر
ماذا قلت بالداخل
كان يخلع عنه قميصه المبتل فتجاهل الرد علي ليزيد من توتري تحركت لأقف قبالته وسألته مجددا في صوت كان أقرب للرجاء ويدي الممسكة بطرفي المنشفة ترتعش بوضوح
هل حضرت شقيقتي إلى هنا
راح يطالعني بنظرة فاحصة مدققة فوضعت يدي برفق على كتفه العاړي استحثه على إجابتي
أرجوك تكلم...
نظر إلى يدي الملامسة لجلده مليا فأبعدتها في تردد حرج ربما كان من الخطأ أن أبدو بهذا الضعف والتذلل بعد إظهار عدائي الصريح له لكني كنت لا أقوى على التحلي بالصبر شعرت بخفقات قلبي تتسارع أكثر وأنا ألح عليه بنبرة تحولت للاتهام
أم أنها كڈبة أخرى لخداعي
ظل وجهه على جموده فصحت محذرة إياه بتشنج محسوس في صوتي
لا تلعب بأعصابي.
جلس على طرف الفراش ثم خاطبني في هدوء
أنا قلت بوضوح أنها تريد التحدث إليك وستتواصل معك هاتفيا في الصباح الباكر.
تعقدت تعابيري وتقارب حاجباي في استنكار وأنا أردد
هاتفيا فقط هذا!!
انتصب بكتفيه مضيفا في غموض مشوق
وربما تأتي لاحقا إلى هنا إن استقرت الأوضاع في ميلانو.
من فوري هتفت في حماس
ستعود أنت متأكد
قال في جدية بائنة على وجهه ونبرته ونظرته إلي
لا أمزح في هذا الشأن.
يبدو أن عقلي وجد صعوبة
في تصديقه فأخذت أقول بما

بدا وكأنه هلوسة
يا إلهي! قل إنها بخير لم يصبها مكروه!
قرأ حاجتي لسماع مثل هذه العبارات المطمئنة فردد بتكلف وكأنه لا يستسيغ البوح بهذا
هي بخير.
تنفست الصعداء وضممت يدي أكثر على طرفي المنشفة لأتنهد قائلة بوجه مسرور
لقد أرحتني.
وجدته يلاعبني بكلماته قبل نظراته
الآن وقد أصبحت في كامل وعيك لما لا تعوضين فترة غيابك
فطنت لمقصده فتراجعت خطوة عنه قائلة في عتاب ندمت عليه بعدها
ألم تقم غيري بهذه المهمة
أجابني مبتسما ابتسامة خفيفة
لسن مثلك.
شعرت وراء ابتسامته تلك بأنه يسعى لاستفزازي وقد نجح ببساطة في تحقيق غرضه فحل بي الضيق لمجرد تخيلي أنه في أحضان أخرى فالأنثى لا تحب مشاركة رجلها مع غيرها وإن كانت تمقته. عبست بملامحي وأخبرته وأنا أوليه ظهري
بالطبع فالجميع يسعى لأجل إرضاء الزعيم وتلبية ما يريد في أي وقت.
قال معلقا بغرور
بالفعل.
اشتاطت نظراتي حقدا فاستدرت لأتطلع إليه ثم عقبت في غيظ ظاهر في كامل وجهي قبل نبرتي
إذا اذهب من هنا.
أنذرني في عنجهية أحړقتني كمدا
أنا من أضع الشروط لا تنسي ذلك.
بلغت غيرتي كأنثى مبلغها فهتفت في كبرياء جريح
أوه بالطبع فأنت الزعيم تملك كل شيء وأنا بصفتي زوجتك أقع ضمن أملاكك.
من جديد أوليته ظهري وأنا أخبره في سخرية مريرة
لأعد أنا إلى الغرفة الأخرى وأتركك تستمتع بوقتك.
حين هممت بالتحرك أحسست فجأة بنسمات هواء تهب على جسدي تنبهت عندئذ لكون فيجو قد أمسك بي فصحت في ضيق خجل
ماذا تفعل
نظر لي قائلا بنبرة عازمة
لن تذهبي إلى أي مكان دون رغبتي.
عاندته في ضيق مبرر
لن أبقى هنا للحظة أخرى اعذرني لست من ذلك النوع المتساهل.
تخللتني رعدة شبه عاصفة عندما نطق بهدوء
وأنا لا أريد سواك.
نظرت له بتشكك حيث احتوت كلماته المتوارية على ما يحير حاولت اختزال معانيها في كونه يبحث عن وجود زوجته إلى جواره. ومع هذا كان الإصرار الظاهر في عينيه على نيل مبتغاه مني قد وترني وأنا حقا أكره الشعور برغبتي في التواجد بقربه وأن أبدو في توق مغاير لما يجب أن أكون عليه ناحيته. لديه هذه السمة المميزة لاستمالة حواسي ومداركي وحتى وجداني وجعلي أتغاضى عن الجانب السيء المستبد له. تخطيت ناحية جلوسه وخطوت تجاه غرفة الثياب الملحقة وأنا أخبره
سأرتدي ملابسي وأرحل
استوقفني بالإمساك بي من رسغي وفي اللحظة التالية كنت مستلقية على الفراش يطوقني بكله وعيناه تجريان على تفاصيل وجهي قبل أن يهمس لي
ليس قبل أن...
في جنبات عقلي أجبر النوم على مخاصمتي بعد ليلة مشحونة بالعواطف المتأججة فقد كنت استنكر استجابتي التواقة لاقتراب فيجو الحميمي مني كأني انتظر ندائه لألبيه في التو وهو فطن إلى حاجتي لهذا فلم يدخر وسعه لإثبات ذلك بالأدلة المدموغة. 
تأملت الفجوة الفاصلة بيني وبينه على امتداد الفراش في نظرات طويلة شاردة قبل أن ترتكز عيناي على ظهره الموالي لي كنت ممتنة لكونه غارقا في النوم ولكون الظلام سائدا لئلا يرى ما يبدو على وجهي من أمارات الضيق والامتعاض.
تعجبت من حالة التناقض المستبدة بي تلك التي لا أجد لها تفسيرا مقنعا فرغم كل ما مررت به معه والأسباب القوية التي تدفعني لنبذ اقترابه المتودد إلا أن هناك ما يجذبني إليه يجعلني أغفر له خطاياه بل وأتغافل عما يفعل فلا أرى مساوئه بعين الكاره الناقم وهذا جل ما أرعبني! كنت أخشى أن أكون في غمرة نفوري منه وقعت في
حبائل حبه. اضطرب قلبي وخفق لمجرد التفكير في احتمالية حدوث ذلك شعرت ببرودة قارصة ټضرب أطرافي فسحبت الغطاء على جسدي لأتوارى أسفله باحثة عن الدفء الذي ينفض

هذه الهواجس المملوءة بها رأسي.
رحت أخبر نفسي بعناد
إنها أوهام أفيقي منها قبل أن تبتلعك دوامتها.
ظللت أردد هذا في أعماقي لأؤكد لنفسي أن الأحاسيس الإنسانية بمرادفاتها المختلفة
 

تم نسخ الرابط