رواية "مملكة سفيد"(كاملة جميع الفصول)بقلم رحمة نبيل
المحتويات
والذي يعلم كل ما يدور حوله ويفقه بكل شيء ليس لأنه ساحر _ معاذ الله_ بل لأن لقب عريف هو لقب يمنح لكل شخص مثقف مدرك لجميع العلوم حكيم ذو رأي صائب ونظرة مستقبلية صحيحة وتحت يد العريف يتدرب شخص تنبأ له الجميع بمستقبل باهر ليحمل هو لقب العريف من بعده .
تحرك العريف داخل قاعة العرش والتي كانت واسعة ذات نوافذ تبلغ طول الجدار مما يجعل الشمس تدخل للقاعة وتنعكس على جميع ارضياتها البيضاء اللامعة ..
يقبع بومة سوداء اللون على كتفه وقد كان ذلك هو الكائن الحي الوحيد الذي قد يتقبله العريف في هذه الحياة بعد كتبه العزيزة بالطبع .
مولاي طلبت رؤيتي
رفع الملك عيونه للعريف يحدق به مطولا قبل أن يقول
هل وصلت لشيء بخصوص ملكتي أيها العريف
تأفف العريف داخليا ثم دار بنظراته في المكان يحاول أن يمنح عقله فرصة إيجاد رد مناسب على ذلك الملك المدلل الذي يجذبه من بين كتبه فقط ليسأله إن وجد له زوجته ليس وكأنه يعمل مأذونا شرعيا .
نظر له الملك قليلا بينما العريف يبتسم له بهدوء وداخله يتأفف في انتظار لحظة صرفه من المكان بأكمله والبومة على كتفه تصدر صوتا مزعجا وكأنها تشارك مالكها الرأى في الرحيل من ذلك المكان .
بعض الشيء وبتحذير مبطن
لكم من الوقت تعتقد أنني سأصبر
ابتسم العريف بسمة صغيرة هادئة ورزينة
لحين نجد ما تريده مولاي فلا أظن أن قلة صبرك قد تعجل من ظهور ملكتنا
ابتسم الملك بسمة جانبية يدرك أن ذلك الشيخ يعلم جيدا كيف يتحدث وبما يتحدث ومتى يتحدث لذا لن يصل معه لحل سوى أن يصمت ويقول بهدوء مشيحا بيده
هز العريف رأسه يستأذن الملك راحلا مبتسما بسمة واسعة أن قد تخلص منه يهرول صوب مكتبته قبل أن يغير الملك رأيه ويستدعيه مجددا.
دخل المكتبة بملامح واجمة جذبت انتباه تلميذه النجيب الذي اعتدل يقول ببسمة
مرحبا أيها العريف لن تصدق ما اكتشفته للتو و...
تجاهله العريف يطيح بالبومة عن كتفه مغتاظا لتطلق البومة صوتا منزعجا تحاول التحليق بعيدا عنهم حتى يتحسن مزاج العريف
نظر الشاب ليده التي تحمل خارطة النجوم يقول بصوت خاڤت
لقد علمت للتو أن موعد القمر الدموي قد اقترب وسيوافق منتصف هذا الشهر و...
قبل أن يكمل كلماته تحرك له العريف بسرعة كبيرة يلقي بالكتاب الذي كان يحمله في الهواء ويصطدم في البومة التي كانت تحاول الفرار من المكان ضاربا إياها في الجدار لتتساقط ارضا بقوة ..
ابتسم العريف يمسك باكتاف الشاب متسائلا بأعين تلتمع
ماذا قلت مرجان هل سمعتك للتو تذكر القمر الدموي منتصف الشهر
هز مرجان رأسه بتعجب لحماس العريف ليس وكأنه لا يعلم معلومة كتلك فهذا الرجل أمامه يحفظ جميع الكتب في هذه المكتبة عن ظهر قلب والتي لم يكن عددها بالهين أبدا .
ابتسم العريف بسمة غريبة وقد بدأت عيونه تلتمع بنظرة مريبة جعلت مرجان يعود للخلف
إن تأكدت مما يدور بعقلي منذ أيام يا مرجان وربطته بما قلت أنت لتوك ووصلت لما يدور بخلدي من شكوك سنكون على أعتاب معجزة كبيرة يا فتى ....
أنهى حديثه يتحرك بسرعة صوب أحد رفوف المكتبة يسقط الكتب دون اهتمام بحثا عن كتاب بعينه وقد كانت الكتب تتساقط واحدة تلو الأخرى على رأس البومة المسكينة التي تحاول النهوض وتفشل كل مرة ..
واخيرا امسك العريف أحد الكتب يطالعه باهتمام هامسا
أجمع لي جميع الخرائط في تلك المكتبة فلدينا ساعات طويلة من البحث يا مرجان....
_____________________
زفر بصوت مرتفع وقد مل إلحاح تلك الفتاة والتي قفزت له منذ الصباح تتحدث له بأمور غريبة لا يفهم منها شيئا وتبارك تصر أنه من يستطيع مساعدتها لمعرفة ما يحدث لها في الآونة الأخيرة .
يا عم متولي يعني يهون عليك تبارك اللي دايما تيجي تنفض معاك المكتبة لما ضهرها يتكسر تكون محتاجة مساعدتك وتتجاهلها !
عدل متولي من نظارته وهو ينظر لتلك الفتاة بحنق
هو أنا اعرفك اساسا أنا أول مرة اشوفك
اقتربت منه تبارك تراقبه أعلى الدرج الخشبي يقوم بترتيب أرفف الكتب وهو يطالعها بتهكم ورفض لوجودها في المكتبة الخاصة به في هذا الوقت الذي لا يخصصه لاستقبال القراء والمثقفين .
ايه لحقت تنسى ده أنا الإجازة اللي فاتت طلع عيني في ركن القواميس اللي هناك دي فاكر لما قولتلي أنك بتعرف تتكلم كل اللغات دي
هبط الرجل يدفع بها باستخدام كتاب بيده
لا مش فاكر بعدين أنا مش حابب عطلة هنا عايز اخلص ترتيب المكتبة قبل ما القراء يبدأوا يتوافدوا للمكتبة
تشنج وجه تبارك تركض خلفه بين ممرات المكتبة تبحث بين الكتب عن ذلك الرجل ناكر الجميل
قراء مين اللي هيتوافدوا يا عم متولي ده آخر حد دخل المكتبة دي كان رجال المقاومة ايام الاحتلال الإنجليزي عشان يعملوا اجتماع مغلق بعيد عن عيون الانجليز وعشان عارفين إن محدش بيعبر مكتبتك ويدخلها اساسا فكانت احسن مكان ليهم
نظر لها متولي ينظف نظارته كي يبعد عنها ذرات الغبار
أنت عرفتي منين المعلومة دي محدش يعرف كده غير أنا وأعضاء المقاومة الكرام فقط
الله يرحمهم جميعا محدش عايش فيهم غيرك وأنت اللي قولتلي كده آخر مرة وانا بنضف المكتبة ومش بس آخر مرة ده أنا كل مرة أخطي فيها المكتبة لازم تقعدني وتحكيلي دور المكتبة في المقاومة الإنجليزية
جلس متولي على مقعده يتنفس بصوت مرتفع وقد بدأت ترتسم بسمة واسعة على فمه يقول ممتصا شفتيه بحنين وتأثر
المقاومة وهو أنتم تعرفوا أي حاجة عن المقاومة ده أنا في مرة كنت قاعد في المكتبة مع ابويا وانا عيل صغير وفجأة لقيت عسكري انجليزي داخل عليا و...
وقبل أن يكمل حكايتها مالت تبارك على مكتبه تقول بجدية
وقالك فين أقرب صيدلية عشان يعالج
جرحه وأنت عشان وطني رفضت وطردته من المكتبة ها فيه ايه تاني
أنت عرفتي منين
ما أنت حكيت ليا برضو كل ده يا عم متولي أنت بتحكي كده لأي حد يعتب المكتبة حتى لو كان تايه داخل يسألك على مكان
فرك متولي رأسه بجهل شديد وقال بجدية
والله يا بنتي ما فاكر إني حكيتلك من كتر ما أنا بحكي للناس فبنسى أنا قولت لمين ومين لا
وكانت هذه حقيقة فذلك الرجل بكامل قواه العقلية لا يعاني زهايمر أو أي أمراض تصاحب عمره الكبير كل مشاكله تتمثل أنه كثير الكلام مع أي شخص ولذلك يتناسى ماذا قال لكل واحد منهم .
ابتسمت تبارك تجلس أمامه
ولا يهمك يا عم متولي أنا مستعدة اقعد اسمع في القصص بتاعتك ليومين قدام اقولك أنا ممكن اخلص الشغل بتاعي الاسبوع الجاي كله وكل يوم اجي اسمعك ازاي ساهمت في تحرير مصر من الاحتلال
نظر لها متولي من خلف نظارته يحاول معرفة ما تريد مقابل تلك الخدمة الكبيرة التي ستقدمها له فهو كرجل مسن لا يريد أموالا أو صدقات من أحدهم أو غيره هو فقط يحب الرفقة ويحب الحديث مع أي شخص يحب ألا يشعر بوحدته بعدما أصبح وحيدا في حياته تلك هو وكتبه فقط .
مقابل ايه عايزة ايه وبتزني عليه من الصبح !
مش أنت بتقول أنك اتعلمت لغات كتير من قعدتك هنا
ابتسم لها متولي بسمة واسعة وقد حانت لحظته للفخر مجددا
اكيد أنا بتكلم سبع لغات اتعلمتهم كلهم في اقل من ٣٠ سنة و...
وقبل أن يكمل سرد قصصه المٹيرة قالت له تبارك بلهفة تبتلع ريقها
طب أنا فيه كام كلمة سمعتهم في يوم وعايزة ...عايزة اعرف معناهم أو على الأقل لغة ايه دي
نظر لها متولي بعدم فهم لتقول تبارك بسرعة كبيرة ما تتذكر من الكلمات في حلمها والتي على عكس كامل أحلامها كانت واضحة كأنها حقيقة .
أنا مش فاكرة اوي الترتيب بس كان فيه كلمات زي دلم.. شدة ... مش فاكرة بس هي لغة اول مرة اسمعها شبه الهندي
صمتت ثواني تحاول عصر رأسها ودون أن تشعر نطقت الجملة كما سمعتها بالضبط وكأنها لغتها الأم اخذت تكرر الجملة مرات عديدة وكأنها لا تصدق أنها تفعل .
و متولي يرهف السمع لها محاولا معرفة ما تريد إيصاله له من خلال تلك الالغاز التي تنطق بها الفتاة ونظراته تعلوها البلاهة ليقول بعدما انتهت من الحديث
أنت عايزة ايه بالظبط
عايزة اعرف معنى الكلام ده او لغة ايه ما تشوفهم مش انت قاموس متحرك
لا لا معرفش اللغة دي مش من السبعة بتوعي
تشنج وجه تبارك پغضب
يعني يا عم متولي درست سبع لغات وجيت على دي وعطلت مكنتش عارف تزود سنة اجتهاد كمان ودرستها بدل قعدتك هنا
ضړب متولي مكتبه بعصبية شديدة
أنت بتزعقي ليه هي دي لغة اساسا أنا أول مرة اسمع الكلمات دي بعدين مش يمكن تكوني سمعتي غلط !
تراجعت تبارك للخلف تخفي وجهها خلف يديها پخوف من انفجار غضبه بها وهو تنفس بصوت مرتفع ثم امسك هاتفه يقول بجدية
أنا متأكد إن دي مش لغة اساسا بس عامة اصبري نشوفها على جوجل
نظرت تبارك للهاتف الخاص به في صدمة كبيرة فقد كان العم ايوب يمسك هاتف أحدث طراز انحرفت نظراتها لهاتفها الصغير الذي يستقر في جيب ثيابها بتعب شديد مرهق بعدما فتحته فقط لترى الوقت هاتف قديم الطراز ذو ازرار محيت حروفها لكثرة استعماله .
أفاقت تبارك من تلك المقارنة السريعة وهي تجد هاتف متولي يوضع أمام فمها آمرا إياها بتكرير الجملة عله يتعرف عليها وبالفعل فعلت تبارك ما يريد تردد نفس الكلمات التي ما تزال ترن في أذنها بصوت واضح أجش دافء ..
وانتظرت ثواني وهي ترى متولي يفحص الهاتف جيدا
متابعة القراءة