رواية فإذا هوى القلب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
المحتويات
المنحني على مقدمة سيارته فتركهما وانصرف باحثا بجدية عن الشابة الطائشة في بقية السيارات المتواجدة.
توعدها وهو يجز على أسنانه قائلا
بس لو أشوفك!
اختبأت أسيف بداخل المرحاض النسائي وأشرأبت بعنقها للأعلى لترى من النافذة الخلفية للمرحاض ما يحدث بالخارج لم تستطع أن تتبين أي شيء فقد كان هناك سياجا حديديا بالخلف يحول دون الرؤية بوضوح توترت كثيرا وترددت في الخروج من مخبأها المؤقت.
إنتابها القلق على والدتها فقد طال انتظارها فركت كفيها معا وهمست لنفسها بحيرة
طب أعمل هافضل هنا محپوسة شوية كمان ولا.. ولا أخرج
مش لازم أخاف أنا معملتش حاجة هو.. هو ميقدرش يأذيني!
ابتلعت ريقها وارتشفت بضعة قطرات من مياه الصنبور المنهمرة ثم أغلقته.
تحركت ببطء ناحية باب المرحاض ومدت يدها لتمسك بالمقبض وتفتحه.
أدارته بهدوء لكن تجمدت قبضتها عليه بفزع حينما سمعت صوته قريبا منها وهو يحدث أحد ما قائلا بغلظة
مالهاش أثر فص ملح وداب
سأله السائق المصاحب له
طب يا ريس هاتعمل ايه
مش عارف بس أنا محتار هاتكون اختفت فين
تسارعت دقات قلبها حتى كادت تصم أذنيها من حدتها وجاهدت ألا تصدر صوتا حتى لا ينتبه أحدهما لوجودها وضعت يدها على فمها لتكتم صوتها وتابعت ما يدور بينهما من حديث بحذر شديد.
أردف السائق قائلا بجدية
جايز تكون دخلت هناك!
تساءل منذر بعدم اقتناع
ايه اللي هيوديها المشحمة
جايز تكون بنت حد من اللي شغالين فيها أو تبع حد فيهم
رد عليه منذر باقتضاب
احتمال!
ساد صمت مؤقت بينهما لثانية قبل أن يهتف منذر بجدية شديدة
تعالى ناخد بصة هناك ونتأكد!
اللي تشوفه يا ريسنا
ماهو البت دي لازم تعرف إن الحركات ال...... ماينفعش تتعمل معايا أنا بالذات
أغمضت أسيف عينيها بقوة وهي تكاد ټموت هلعا في مكانها انتظرت لبرهة قبل أن تفتح الباب ببطء شديد تنفست الصعداء لرحيلهما بعد أن اختلست النظرات نحو الخارج.
كل ده يا أسيف
تلفتت هي حولها بتوتر شديد لتتأكد من عدم وجوده حولها مرددة بنبرة مرتبكة
م.. معلش كنت تعبانة شوية!
أشارت لها بكفها قائلة بصوت مرهق
طب اركبي
ح.. حاضر
قالتها أسيف وهي تهز رأسها پخوف واضح ثم ركبت سريعا في المقعد الخلفي.
كان السائق قد انتهى تقريبا من إصلاح عطل سيارته
أخيرا اليوم كان باين من أوله
أغلق الغطاء الأمامي ثم صاح بنبرة عالية مبررا سبب تأخيره
لامؤاخذة عطلتكم معايا بس هاعمل ايه أديكو شايفين العربية واللي جرى
ردت عليه حنان بابتسامة ودودة
اتوكل على الله يا بني حصل خير!
وبالفعل استقل السائق سيارته وبدأ في
إدارة محركها ليتحرك بها نحو وجهته متعمدا الإبطاء من سرعتها كي يتأكد من كفاءة عمل المحرك استعادت أسيف هدوئها وبدأت تتنفس بإنتظام حينما شعرت بحركة السيارة.
كورت أصابع كفها بحركة متوترة ثم مالت بجسدها للجانب نحو نافذتها حانت منها التفاتة سريعة للخلف وهي تطل برأسها منها لتتأكد من ابتعادهم عن ذلك الغاضب المتذمر في نفس التوقيت كان منذر واقفا على مقربة من منطقة غسل السيارات راقب للحظات حديث السائق مع أحد العاملين بها ضجر من وجوده بالمكان ومن ذلك الوقت الذي ضاع هباءا بلا أي جدوى.
أخرج هاتفه من جيبه ليعرف التوقيت فزفر منزعجا لتأخره عن وقته المحدد بكثير أعاد وضع هاتفه في جيبه ونفخ بغيظ مرددا من بين أسنانه
اتعطلت على الفاضي!
الټفت برأسه للخلف عفويا للجانب ليحدق في السيارات السائرة فوقعت عيناه الثاقبتين مصادفة على سيارة الأجرة التي مرت على مسافة قريبة منه
بالطبع كانت السيارة مميزة لكونها تحمل مقعدا متحركا على سقفيتها علقت أنظاره بالنافذة الخلفية حينما لمح فتاة ما تجلس بالخلف أمعن النظر أكثر فيها فارتفع حاجباه للأعلى في صدمة واضحة.
تمكن منذر من رؤيتها كمرأى العيان وهي تمرق بجواره ناظرة إليه من نافذتها ارتسمت علامات الاندهاش الممزوجة بالتجهم على محياه تجمدت أنظار أسيف عليه وانفرجت شفتاها بذهول مخيف لقد رأها بالفعل وتأكد منها.
بدت كمن أصيب بالشلل المؤقت فعجزت عن التحرك أو الابتعاد تركت له الفرصة للتدقيق في ملامح وجهها أكثر وبالطبع لم تخلو نظراته نحوها من الشراسة والڠضب.
شعر منذر بالحماقة والغباء الشديدين فقد تمكنت تلك الطائشة من خداعه لوهلة ليبدو كالأبله أمام نفسه وأمام الأخرين وهو يبحث عنها بلا جدوى وها هي الآن تمر من جواره دون أن يتمكن من الوصول إليها.
سيطر عليه احساس بالفشل وخيبة الأمل.
قبض كف يده بعصبية شديدة وبرزت عروقه الغاضبة من عنقه.
زادت سرعة السيارة واختفى شبحه المرعب من أمامها لكن بقيت نظراته المحتدة عالقة في ذاكرتها تراجعت بجسدها للداخل وانكمشت على نفسها أكثر.
اضطربت أنفاسها وزادت دقات قلبها من خۏفها.
راقبها السائق من مرآته الأمامية وسألها مستفهما بفضول بعد أن لاحظ تبدل حالتها
في حاجة يا آنسة
التفتت حنان برأسها للخلف لتنظر إلى ابنتها بقلق بعد سؤاله الغريب هذا وسألتها هي الأخرى بتوجس
مالك يا أسيف في حاجة فيكي
وزعت أنظارها الزائغة بينهما وأجابت بصوت خاڤت وشبه متحشرج
م... مغص تاعبني شوية
أكيد من أكل الشارع!
قالتها والدتها بحسن نية ظنا منها أن ابنتها ربما أصيبت بتلبك معوي بسبب تناولها الطعام الفاسد.
أضاف السائق بجمود
ألف سلامة لو قابلنا صيدلية في طريقنا ممكن أقف وتنزلي تجيبي دوا منها
ابتلعت أسيف ريقها وهي تجيبه ممتنة
متشكرة شوية وهايروح
عاتبتها والدتها قائلة بضجر
قولتلك من الأول ماتكليش من برا محدش عارف الأكل بيعملوه إزاي وبيحطوا فيه إيه
هزت رأسها بإيماءات خفيفة ومتتالية وهي تضيف بحذر
هابقى أخد بالي بعد كده يا ماما
تابع السائق قيادته للسيارة حيث العنوان المطلوب بينما ظل بال أسيف مشغولا بشبح ذلك المخيف الذي أضيف إلى قائمة أسوأ كوابيس يقظتها.
أسندت عواطف صينية المشروبات الباردة وأطباق الحلوى على المائدة التي تتوسط غرفة الصالون هاتفة بنبرة مرحبة لضيفتها السيدة جليلة وابنتها الصغرى أروى
شرفتونا! البيت نور
بوجودكم فيه
ردت عليها جليلة مجاملة
منور بأصحابه يا عواطف
تابعت عواطف قائلة بنبرة ودودة وقد اتسعت ابتسامتها المشرقة
اتفضلوا دي حاجة بسيطة صحيح مش من مقامك بس.....
قاطعتها جليلة مرددة بتهذيب
متقوليش كده دايما عامر يا رب!
ابتسمت عواطف أكثر وهي تقول
بحسكم يا غالية!
ولجت نيرمين إلى داخل الغرفة لترحب بالضيفة التي تعد في مثابة خالتها.
هتفت قائلة بحماسة
سلامو عليكم ازيك يا خالتي
نهضت جليلة من مقعدها لترحب بها قائلة
وعليكم السلام ازيك يا نيرمين عاملة ايه يا حبيبتي
احتضنتها بذراعيها ثم قبلتها من وجنتيها عدة مرات مرددة
الحمدلله!
سألتها جليلة باهتمام وهي تعاود الجلوس على الأريكة
اخبارك ايه وازي جوزك
اكفهرت ملامح وجه نيرمين وحل العبوس عليها وهي تجيبها متجهمة
متشوفيش وحش يا خالتي إحنا اتطلقنا وخلاص معدتش في راجعة بينا!
اتسع ثغر جليلة بشهقة عالية وردت پصدمة واضحة وهي محدقة بها
يا ساتر يا رب اتطلقتوا تاني!
صححت لها نيرمين عبارتها قائلة بنبرة مزدرية
قولي تالت!
هزت جليلة فمها للجانبين مستنكرة حدوث الانفصال بينهما ثم تساءلت بفضول
طب ليه يا نيرمين
أجابتها بتنهيدة منزعجة وهي تشير بعينيها نحو الصغيرة الجالسة وسطهن
موال كبير هابقى أحيكهولك بعدين يا خالتي!
تفهمت جليلة رغبتها في عدم الحديث خاصة أن أروى تصغي إلى حوارهن
متابعة القراءة