رواية فإذا هوى القلب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
المحتويات
أمي! اومال لو اعدت معانا أكتر من كده هاتعمل ايه!!!!
التفتت عواطف برأسها لتجد أسيف تتحرك ببطء نحوهما كانت تقدم قدما وتؤخر الأخرى وهي تسير بتردد ظاهر للعيان.
هتفت عمتها قائلة بتشجيع
تعالي يا أسيف دي نيرمين بنتي الكبيرة انتي شوفتيها قبل كده في المستشفى ساعة...
قاطعتها أسيف بحرج قليل
أها فكراها!
ثم استدارت برأسها نحوها لتهمس بصوت خجل وهي تحاول الابتسام
ردت عليها نيرمين بنبرة متجهمة
أهلا!
ثم أشاحت بوجهها بعيدة عنها متجاهلة إياها عن عمد وأكملت ببرود
مش هناكل بقى ولا هنفضل نسلم ونرحب ببعض كتير!
نظرت لها عواطف شزرا وهمست بصوت مزعوج من طريقتها الجافة في التعامل معها
استغفر الله العظيم يا رب
التفتت مجددا نحو ابنة أخيها وربتت على ظهرها قائلة بنبرة مرحبة
جلست الأخيرة على إستحياء على الطاولة وتحاشت النظر إلى نيرمين فهي تفهمت شعورها نحوها ولن تجبرها على تقبل وجودها.
تعلقت أنظارها بصحن الطعام الموضوع أمامها وبدت حرجة للغاية وهي تلتقط لقيمات صغيرة من الخبز..
صاحت عواطف بنبرة متلهفة
إن شاء الله الأكل يعجبك!
ثم وقفت إلى جوارها وصبت لها الشاي الساخن في قدحها وتابعت متسائلة باهتمام
هزت رأسها نافية وهي ترد بصوت متلعثم
ولا حاجة ماتتعبيش نفسك!
قطبت عواطف جبينهاوردت مستنكرة
تعب ايه بس احنا بنطبخ كل يوم يعني مافيش جديد بصي النهاردة أنا هاعملك فراخ وبطاطس وخضار و....
اتسعت حدقتي نيرمين مشدوهة من ذلك الحماس العجيب الذي سيطر على والدتها وكأن من تسكن معهن هي سفيرة أتت من الخارج فشهقت مصډومة
سلطت عواطف أنظارها الحادة
عليها وردت بحماس أكبر لتثير غيظها
اه وليمة وإن كان عاجبك هو أنا عندي أعز من بنت رياض!
ثم مسحت على ظهرها بنعومة لتستفزها أكثر.
كزت نيرمين على أسنانها بحنق ونفخت بصوت يصل إلى الآذان معلنا عن ڠضبها مما يحدث.
انتبه ثلاثتهن إلى صوت قرع الجرس فأشارت عواطف بعينيها لابنتها قائلة
ردت عليها نيرمين بتبرم
أكيد مش بسمة هي في مدرستها وده مش ميعاد خروجها!
أضافت والدتها قائلة پتعنيف خفيف
قومي افتحي الباب يا نيرمين اتلحلحي يالا!
زفرت بضجر وهي ترد
أوف! طيب قايمة!
اتجهت نحو الصالة وسحبت ذلك الحجاب المنزلي والذي يرتدى عند الحاجة من على ظهر الأريكة ولفته بلا ترتيب حول رأسها واتجهت نحو الباب..
لم تنتبه إلى الحقائب التي بحوزته والمسنودة إلى جوار قدميه فقد كانت أنظارها معلقة به.
لكنها سريعا ما أخفضت بصرها عنه حينما قال بصوت رخيم
سلامو عليكم!
ردت بترحيب ودود وهي تتنحى للجانب لتفسح له المجال للمرور
وعليكم السلام اتفضل يا سي منذر!
سمع الاثنان صوت عواطف يأتي من الداخل متسائلا
مين يا نيرمين
أجابتها نيرمين بنبرة عالية وهي تدير رأسها للخلف
ده سي منذر ابن الحاج طه!
ردت بصوت مرتفع
قوليله يتفضل!
التفتت تنظر إليه قائلة بنبرة لطيفة
اتفضل يا سي منذر
وقبل أن يفتح فمه ليعترض رأى عواطف مقبلة عليه هاتفة بصوت متحمس
تعالى يا سي منذرده حماتك بتحبك أنا لسه بأوضب في الفطار و....
قاطعها قائلا بجمود وهو يسلط أنظاره عليها
لامؤاخذة إن كنت جاي من غير ميعاد!
استغربت من رده وقالت بنبرة مجاملة
ده بيتك يا سي منذر!
تابع هو قائلا بنفس الجمود دون أن ترتخي ملامح وجهه
إن مكانش فيها إساءة أدب عاوز أكلم بنت أخوكي في حاجة مهمة!
انقبض قلبها نوعا ما عقب عبارته الأخيرة وانهالت عليه بأسئلة متتابعة دون أن تترك الفرصة لنفسها لتلتقط أنفاسها
أسيف خير في حاجة تانية حصلت قريبها جه تاني
رد عليها باقتضاب
لأ
ثم طلب منها بنبرة ملحة
ناديها بعد اذنك!
ارتابت هي من إصراره على لقاء أسيف وردت بارتباك قليل
اه طبعا اتفضل خش
جوا مش هاتفضل واقف على الباب كده!
تحرك خطوتين ليلج للمنزل بعد أن انحنى ليحمل حقائب السفر.
هتفت عواطف بنبرة عالية وهي تتجه للداخل
يا أسيف تعالي يا بنتي سي منذر عاوزك!
نظرت نيرمين بفضول كبير إلى تلك الحقائب وظلت تفكر في سبب إحضارهم إلى المنزل هنا. لكنها لم تتجرأ على سؤاله.
حضرت أسيف إليه بعد عدة دقائق قضتها في ارتداء اسدال الصلاة الذي استعارته من عمتها.
حدقت فيه بنظرات قلقة وهي تهتف بصوت مرتبك نسبيا
سلامو عليكم!
سلط أنظاره الجامدة عليها مرددا بثبات
وعليكم السلام
ابتلعت ريقها ساءلة إياه بتوتر ملحوظ
في.. في حاجة جدت
اقترب منها ليقف قبالتها ثم نظر مباشرة في عينيها قائلا بإيجاز
لأ!
ظلت أنظارهما متعلقة ببعضهما البعض لثوان قبل أن ينطق بجمود جعل قلبها يخفق پخوف كبير
هي حاجة ليها علاقة باللوكاندة اللي كنتوا أعدين فيها إنتي والمرحومة..!!!!!!
الفصل السادس والعشرون
ارتفع حاجبي أسيف للأعلى عقب جملته الأخيرة وشحب لون وجهها لتبدو بشرتها غير طبيعية.
تجمدت نظراتها المرتعدة على وجهه.
كما اضطربت نبضات قلبها وشعرت بصوتها العڼيف يخترق أذنيها بقوة.
هو يتحدث عن والدتها المتوفاة عما يخصها.
جاهدت لتبدو صلبة لكنها كانت تحترق حزنا من الداخل.
تابع منذر قائلا بصوت ثابت وهو يتفرس وجهها المرتبك
اتصلت بيا واحدة من اللوكاندة على تليفون أمك تقولي أجي أستلم شنطكم
نهج صدرها بتوتر كبير وهي تسأله بنبرة متلعثمة
تليفون ماما!
رد عليها موضحا بنبرة خالية من الانفعالات
اه الأمانات في المستشفى ادهوني واحنا اتلبخنا في ډفنة المرحومة ونسيت أرجعهولك مع بقية حاجاتها!
ثم أخرج الهاتف وحافظة نقود الفقيدة من جيبه ليعطيهما لها قائلا بهدوء
وبقية الحاجة محطوطة جوا الشنط بتاعتكم!
لم تصغ إلى ما قاله وحدقت بنظرات مذهولة في متعلقات أمها الراحلة وسريعا ما تراقصت العبرات في مقلتيها.
تناولت هاتفها القديم منه بيد مرتجفة وتجمدت عيناها المغرورقتان بالعبرات عليه متذكرة نبرة صوتها الرقيق المطمئن حينما تتحدث فيه وتحسست بأصابع مرتعشة حافظة نقودها التي كانت دوما موضوعة في حجرها.
اندفع إلى عقلها ذكريات كثيرة جمعتها مع أبيها وأمها في أماكن مختلفة بقريتهم وبمنزلهم وأرضهم الزراعية.
ذكريات كانت هي كل محورهم اهتمامهم الأكبر والوحيد.
وفجأة اختفى كل هذا ليحل بدلا عنه القسۏة والوحدة والفراق.
نظر لها منذر بإستغراب من ردة فعلها خاصة أنها بدت وكأنها في عالم أخر واستدار برأسه ليوجه حديثه إلى عمتها
أنا لمېت بنفسي كل حاجة من الأوضة مافيش حاجة نسيتها هناك!
هتفت عواطف قائلة بإمتنان كبير
كتر خيرك يا سي منذر والله تعبينك معانا!
الټفت برأسه نحو أسيف مجددا ليضيف بجدية وهو محدق بها بنظرات ثابتة
وماتقلقيش الحساب خلصان هناك!
ولم تكن مدركة له ولم تنتبه لكلمة واحدة مما نطق بها. فعقلها كان مركزا فقط على أخر ما تبقى من ذكرياتها الغالية.
صاحت نيرمين بصوت عال مرددة بإعجاب
سي منذر طول عمره شهم وبيقف مع كل الناس مش جديد عليه ده
رد عليها بابتسامة باهتة ملتفتا نحوها
متشكر
بينما أضافت عواطف قائلة بإمتنان أكبر من السابق
احنا من غيره هو والحاج طه نتوه ربنا يباركلنا فيه ويفضلوا دايما سندنا
بدا ما تسمعه حولها همهمات مبهمة أصوات مختلطة تزعجها بشدة فتحول دون استمرارها في إستعادة سيل الذكريات البعيدة.
عاود منذر النظر إلى أسيف ليجدها في تلك الحالة الغريبة فعبس بوجهه وسألها بجدية قليلة
انتي كويسة
لم تجب عليه بل لم تشعر به من الأساس.
قربت حافظة النقود من أنفها تستنشق بقايا عبير أمها فيها.
تنفست بعمق حابسة تلك الرائحة في صدرها لعلها تطفيء لهيب اشتياقها إليها فتثلج روحها لكن زاد هذا من لوعتها.
أغمضت عيناها قهرا باكية بحړقة شديدة تدمي
متابعة القراءة